
- اللُّغة العربيَّة
نصر بن عاصم
نصر بن عاصم .. أول من وضع النقاط على الحروف العربية
سبتمبر 2020
مُحرر ’ضَاد‘

اللغة العربية من أقدم اللغات و أرقاها و أكثرها انتشارا حول العالم، فقد أنزل القرآن بلسان عربي، و كتبت المنقوشات و المخطوطات بها منذ القدم. و لكن كان الإنسان العربي يقرأ الكلام معتمدًا على سليقته اللغوية، و فهمه لسياق الكلام، و يكتب الحروف دون نقاط أو تشكيل.
استمرت الحروف العربية بشكلها غير المنقوط حتى منتصف القرن الأول الهجري. و تم تنقيطها في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان. ففي الثلث الأخير من القرن الأول الهجري أضحت اللغة العربية لغة عالمية ، خاصة عندما بدأت تنتقل مع انتقال الإسلام إلى المناطق المحيطة بشبه الجزيرة العربية ، و استُخْدِمتْ في تلك المناطق ، و أصبحت اللغة الرسمية للدول، و كان استخدامها دليلاً على التقدم الحضاري والثقافي.
و مع اتساع رقعة الدولة الإسلامية ، و دخول شعوب و ثقافات مختلفة في الدين الإسلامي ، أصبح كل شعب يقرأ القرآن بالقراءة المناسبة له، مما أثار خوف المسلمين من دخول كلمات ، أو تغيّر شيء في القرآن عن طريق لفظ أو تشكيل الحروف بما يُناسبهم، بعدما اختلط العرب بالأعاجم، و ظهر اللحن في اللغة العربية و انتشر، و التوت الألسنة ، و تفشى الخطأ و عدم القدرة على التمييز بين الحروف المتشابهة رسمًا، كالباء و التاء و الثاء والنون، و الفاء والقاف، و العين والغين، و الجيم و الحاء والخاء ، و الصاد والضاد ، و السين و الشين ، خاصة بين حديثي العهد بالإسلام من غير العرب.
حينها خشي العلماء أن يستمر اللحن ، و يُفسِد ملامح اللغة، فلجأوا إلى ضبط اللغة العربية من الناحية النحوية والإملائية ، من خلال تشكيل أواخر الكلمات، كما قاموا بضبط الحروف عن طريق تشكيلها وتنقيطها، من أجل أن يذهب الالتباس و الخطأ بين الأحرف المتشابهة. فرُوي أن رجلًا روميًا ألقى على الحجاج بعض الأبيات الشعرية بطريقة مضحكة ؛ لأنها لم تكن منقوطة ، فقام بوضع النقط على هواه فتغير المعنى ، فطلب الحجاج على إثرها من (ابن عاصم) أن يصحّح الخطأ بوضع النقاط على الحروف.
وقد أجمع علماء العربية أنه كان لنصر بن عاصم الليثي، الدور الأكبر و الأبرز في وضع النقاط على الحروف للتمييز بين الأحرف المتشابهة. و هو: نصر بن عاصم بن عمرو بن خالد بن حرام بن أسعد بن وديعة بن مالك بن قيس بن عامر بن ليث بن بكر من قبيلة بني كنانة. كان فقيهًا فصيحًا عالمًا باللغة العربية أفضل علم ، و أحد علماء النحو المبرَّزين في زمانه. و كان أستاذه أبو الأسود الدؤلي قد سبقه بوضع حركات التشكيل (الضمة و الفتحة والكسرة) بتوجيه من الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه؛ تلافيًا للحن ، وتسهيلًا للنطق السليم ، وضبطًا لأواخر الكلمات.
ثم جاءت مرحلة التنقيط على يد نصر بن عاصم ، فذكر الجاحظ في كتاب (الأمصار) أن نصر بن عاصم أول من نقط المصاحف ، و كان يقال له نصر الحروف. و قال الزهري: إنه ليفلّق بالعربية تفليقًا.
و ذكر ابن حجر العسقلاني أنه لما انتشر اللحن في العراق فزع الحجاج بن يوسف الثقفي إلى كُتّابه و سألهم أن يضعوا لهذه الحروف المشتبهة علامات، و عندئذ انبرى العالم الفذ نصر بن عاصم لهذه المشكلة ، في محاولة لإزالة عُجْمَة هذه الحروف أي (إبهامها)، فقام بوضع نقاط فارقة و مميزة عليها. و منذ هذا اليوم وضحت الأمور بوضع النقاط فوق الحروف ، وزال اللبس والإبهام. وقد أدى هذا العمل الجليل إلى انقلاب عظيم في عالم اللغة العربية ، و دشّن نظاماً جديداً في ترتيب الحروف.
المرجع: اللغة العربية للمراحل المتقدمة من خلال نصوص و مواد سمعية بصرية