• اللُّغة العربيَّة

أدبُ التّدوين


التاريخ:
ديسمبر 2020
الكاتب:
مُحرر ’ضَاد‘

 

عُرف التّدوين بأنّه التّوثيق الكتابيّ للأحداث المشاهدة والمسموعة. و هو وسيلة جيّدة لتخليد ذكرى حدث تاريخيّ هامّ سواء كان على المستوى الفّرديّ أو الجماعيّ أو حتى على المستوى الأمميّ.
بدأ التّدوين بشكل بسيط جدّا من رجل الكهف الّذي دوّن أحداثه اليوميّة من خلال رسومات و أشكال و رموز على جدران الكهف، و استطاع من خلالها أن يخلّد ذكراه بعد كلّ هذا الزمن الطويل.
و تطوّر هذا الفن على مدار العصور و الأزمان متّخذا أشكالا و أنواعا متعدّدة ليعطينا انطباعا عن كلّ مرحلة زمنيّة مرّ بها الإنسان في القديم والحديث. اشتهرت بعض المدوّنات و اندثر البعض منها نتيجة للمحتوى المقدّم في المدوّنة بالإضافة إلى تأثيرات الحكم السياسيّ في كلّ مرحلة، و هذا يجعل من المدوّنات أدبا مهما يصعب تجاهله مهما كانت الظّروف السّائدة والطارئة.
 
وفي هذا المقال سنتناول التّدوين من حيث تاريخه، أشكاله، أغراضه، و مستقبله الواعد.
 
تاريخ التّدوين ممتد طوال تاريخ البشريّة من رجل الكهف حتى حقبة التكنولوجيا المتطوّرة، وهناك محطات أساسيّة تعتبر نقاط تحول في تاريخ التّدوين سنستعرضها بإيجاز وهي :
 
  1. ساعد الرهبان في إحداث طفرة في أدب التّدوين من خلال تسجيلهم للوقائع الدينيّة الّتي حدثت إبّان حياتهم، و ساعدهم في ذلك عدّة عوامل من أهمّها قدرتهم على القراءة و الكتابة الّتي لم تكن متاحة للجميع مثل ما هو الآن، و كذلك قربهم من الملوك و الحكّام أتاح لهم الدعم المباشر و الاطّلاع على أسفار لم تكن بحوزة العامّة، بالإضافة إلى تفرّغ الرهبان الاجتماعيّ فهم لا يتزوّجون و بالتالي تقلّ مسؤولياتهم الاجتماعيّة و تفيض أوقاتهم فيصرفونها في التّدوين.

  2. في التاريخ الإسلاميّ ساهم المؤرخون المسلمون قديما و حديثا في إثراء أدب التّدوين من خلال تسجيلهم للوقائع التاريخيّة المتسارعة في منطقتهم الساخنة و ألّفوا في ذلك الموسوعات التاريخيّة و أشهرهم في ذلك الطّبريّ الّذي ألّف كتاب "تاريخ الأمم والملوك" و ابن كثير مؤلف "البداية والنهاية". كما عرف الرّحالة المسلمون بإبداعهم في تدوين رحلاتهم و أشهرهم في ذلك الرحّالة ابن بطوطة الّذي دوّن مشاهداته خلال رحلاته في كتابه "تحفة النظّار في غرائب الأمصار و عجائب الأسفار".

  3. انتشر التّدوين في العصر الحديث مستغلّا الثّورة الصناعيّة و التكنولوجيّة الّتي أتاحت منصاته و أدواته للجميع بالإضافة إلى إدراك ذوي النفوذ لأهميّة التّدوين مما جعلهم يشجعون عليه و يدعمونه دعما سخيّا.

اتخذ التّدوين إشكالا متعدّدة بحسب حال المدوّن. حاشية البلاط الملكيّ عرفوا بمدوناتهم الممجدة للسلطان، و التغني بانتصاراته، و التمجيد لحكمه، و تأريخ تفاصيل حياته. و قدّموا أفكار السلطان الحاكم للنّاس و اسهبوا في تقديم تعاليمه على أنها خلاص للبشر.

و بالمقابل هناك شكل آخر من التّدوين في ظلّ الحريّة المسلوبة عرف بأدب السجون. وهي الخواطر و الأشعار و اليوميّات الّتي يكتبها المسجون أو من هو تحت الإقامة الجبريّة أو حتى الهارب من الظلم. و تظهر هذه المدوّنات العذابات الّتي عاناها المدوّن، وهي توثيق لأحداث من شاهد العيان نفسه. و كذلك يمكن أن نعتبر الفنّ بأشكاله الكتابيّة و الأدائيّة كالقصيدة و الأغنية و اللوحات التعبيريّة شكلا من أشكال التّدوين.
تنشأ المدوّنات و يتمّ تعاهدها بناء على أغراض المدوّنون. فهناك المدوّنات الّتي تهدف إلى تسجيل الأحداث السياسيّة أو الاجتماعيّة أو الرياضيّة في منطقة محددة. و آخرون أرادوا من مدوّناتهم توثيق حياتهم الشخصيّة. و يرى البعض رؤية نشر الأفكار و القيم كهدف ساميّ في إنشاء مدوّناتهم و تغذيتها بالجديد المفيد, و وجد أناس هوايتهم المسلّية في تدوينهم.
و رأى فيها آخرون مصدر رزق من خلال التّدوين للربح الماديّ. وكلّ السابقون يتّفقون على أن الاستمرار بالتّدوين يصقل المهارات اللّغويّة و الكتابيّة لدى المدّون و يمكن أن نعتبرها كغرض جانبيّ من إنشاء المدوّنات.
طفرة التكنولوجيا الحديثة جعلت حاضر و مستقبل التّدوين واعد للجميع. فقد وفّرت وسائل التواصل الاجتماعيّ منصات حرة و مجانيّة للمدوّنين. و أتاحت سهولة الوصول إليها. و اختزلت عنصري الزمان والمكان، بل حتى أنها صهرت حاجز اللّغة من خلال الترجمات الفوريّة الّتي توفرها وسائل التواصل الاجتماعيّ للمدونين. كما أنها أذابت الفوارق الطبقيّة و الوظيفيّة بين البشر، فنرى قيادات العالم الكبرى تكتب المدوّنات الّتي يستطيع النّاس الوصول إليها و التفاعل معها بكلّ حريّة. و بهذا فإن حاضر التّدوين مزدهر و مستقبله واعد في ظل تطوّر منصات التّدوين الإلكترونيّة.

اشترك بالنشرة الإخباريَّة

احصل على تحديثات أسبوعية حول أحدث المقالات والأخبار عن ’ضَاد‘ مباشرة في صندوق البريد الإلكتروني الخاص بك