
- اللُّغة العربيَّة
لسانُ العربِ
التاريخ:
ديسمبر 2020
الكاتب:
مُحرر ’ضَاد‘

يُطلقُ مصطلح "لسانُ العربِ" على اللُّغةِ العربيَّةِ؛ وذلك لأن من معاني لفظ "لسان" في القواميسِ والمعاجمِ العربيَّة هو "اللُّغة". وقد عُرف في القديم مصطلحان لغويان هما "لسانُ العربِ" لِيَدُلَّ على اللُّغةِ العربيَّةِ، و "لسانُ العجمِ" لِيَدُلَّ على اللُّغات الأجنبيّة الأخرى. وكذلك استُخدِمَ مصطلحُ "اللِّسان" لِيَدُلَّ على اللّهجات المتفرِّعة من اللُّغة العربيَّة فيقال "لسانُ قريش"؛ لِيَدُلَّ على لهجة قبيلة أهل قريش المتميّزة عن غيرها من لهجات القبائل العربيَّة الأخرى. وفي هذه المقالة سنتطرق إلى أصلُ اللِّسان العربيّ ونشأته ومراحل تطوره حتى وصوله إلينا في القرن الحادي والعشرين بقواعد نطقه وأصول كتابته بشكله الحالي.
نشأت اللُّغة العربيَّة كأحد اللُّغات الساميّة في شمال الجزيرة العربيَّة، وتأثرت تأثرًا كبيرًا باللُّغة الآراميّة، حتى إنها أخذت الترتيب الأبجديّ للحروفِ (أبجد هوز) من اللُّغة الآراميّة كما يقول بعض الباحثين. وانتشرت اللُّغة العربيَّة لتشمل الجزيرة العربيَّة من شمالها إلى جنوبها. بل إنه نشأت في جنوب الجزيرة العربيَّة لهجة مختلفة تمامًا عن لهجات الشمال. وقد أُطلق على لُغة أهل لجنوب "لسان حِمْيَرَ". ويذكر الباحثون أن نمط الكتابة العربيَّة قد تطوّر كثيرًا في جنوب الجزيرة العربيَّة من خلال تأثره بخط المسند اليمانيّ. وساعد في انتشار اللِّسان العربيّ وتطوّره الحركة التجاريّة بين شمال الجزيرة العربيَّة وجنوبها، إلى أن جاء الإسلام الذي أحيا العربيَّة من خلال القرآن الكريم. وتستمر حركة تطوّر اللسان العربيّ من جيل إلى جيل متأثرةً بعامل الزمان والمكان الذي بدوره يحيي ألفاظًا متطلّبة في حديث الناس وثقافتهم.
أُدخلت الحركات التشكيليّة في نمط الكتابة العربيّة لاحقًا، وهي الفتحة، والكسرة، والضمة. ومن عجائب تطوّر اللُّغة العربيَّة أن إدخال الحركات التشكيليّة على الحروف جاء قبل إدخال النقاط عليها، ويعود الفضل في ذلك إلى أبي الأسود الدؤلي، حسب السرديّة التاريخيّة الّتي تروي أن أبا الأسود الدؤليّ مرّ برجلٍ يقرأ القرآن فوجده يقرأ ويقول: (إن الله بريء من المشركين ورسولِه) وينطقها بكسر اللام، أي بعطف رسوله على المشركين، فساءه أن تُغَيّر القراءة في معنى القرآن، فغدا إلى الخليفة عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، فروى له ما سمع، فتناول الخليفة رقعة وكتب عليها: "الكلمة اسم وفعل وحرف، فأما الاسم: فما أنبأ عن المسمى، وأما الفعل: فما أنبأ عن حركة المسمى، وأما الحرف: فما أنبأ عن ما ليس اسمًا ولا فعلاً، والرفعُ: للفاعلِ وما اشتبهَ به، والنصبُ: للمفعولِ وما حُملَ عليه، والجرُّ: للمضافِ وما يناسبُه ".ثم التفت إلى أبي الأسود وقال: "انحُ هذا النحو يا دؤليّ".
ومن هنا نشأ علم النحو في اللُّغة العربيَّة. وقد كانت الحركات التشكيليّة في زمن أبي الأسود الدؤليّ على شكل نقاط باللون الأحمر تُكتب مع الحرف المشكّل. النقطة فوق الحرف للفتحة، والنقطة تحت الحرف للكسرة، والنقطة على يسار الحرف للضمة.
وبهذا يُحسب لأبي الأسود الدؤليّ فضل إنشاء علم النحو وفضل إدخال النقاط التشكيليّة على الحروفِ العربيَّة. ثم جاء فيما بعد الخليل بن أحمد الفراهيديّ ليطوّر نظام تشكيل الحروف العربيّة حيث إنه استبدل نقاط الدؤليّ الحمراء بالحركات (الفتحة والكسرة والضمة) الّتي نعرفها اليوم.
كما أُدخل نظام التنقيط على الحروف العربيَّة بعد إدخال نظام التشكيل. وقد كانت تُقرأُ الكلمات بالمعرفة المسبقة والتخمين قبل نظام التنقيط في الكتابة العربيَّة. ويعود الفضل في إدخال نظام النقاط في الكتابة العربيَّة إلى كلٍّ من:
نصر بن عاصم الليثيّ ويحيى بن يعمر العدوانيّ.
وجاء ابتكارهما لنظام التنقيط بعد ترتيبهما للحروف المتشابهة مع بعض (ت، ث)، (ج، ح، خ)، (د، ذ)، (ر، ز)، (س، ش)، (ص، ض)، (ط، ظ)، (ع، غ)، (ف، ق). فميّزوا الحروف المتشابهة بنقاط مختلفة. وبذلك فإن الباحثَين نصر بن عاصم ويحيى بن يعمر يُحْسَبُ لهما ابتكار نظام التنقيط في الكتابة العربيَّة وإعادة ترتيب الحروف الهجائيَّة العربيَّة بناءً على تشابهها بدلًا عن الترتيب الآراميّ السابق وفق الترتيب (أبجد هوز). وهنا تتجلى الصورة كاملة عن لسان العرب منذ النشأة وحتى وصولها إلينا بشكلها وأنظمة كتابتها الحاليّة.